الجمعة، 8 يونيو 2018

إما شكوى وإما (مواشي)


إما شكوى وإما (مواشي)

في يوم ولادة ابنتي (جمانة) اتصلنا على عيادة طبيب أطفال سمعته تبلغ الآفاق، وأعطونا موعدًا بعد شهر من ذلك اليوم، وحين ذهبنا للموعد جلسنا في قاعة الانتظار أكثر من ساعة.

ذهبت لأكلم موظفة الاستقبال التي استقبلتني كما تستقبل السيدة الأرستقراطية غلامًا فقيرًا يعمل في رعاية غنمها، فطلبت نقودي منها، ثم كتبت ورقة أشتكي فيها لإدارة العيادة من سوء تصرف الموظفة، وغادرت بهدوء، ومررت على محل عصير لأشرب عصير (الرقي) قبل العودة إلى البيت.

لم يمضِ غير نصف يوم على كتابة الشكوى؛ وإذا باتصال من العيادة يعتذرون إلي لأرضى عنهم، قبلت اعتذارهم كرامة لحبيبتي الصغيرة التي أريد الاطمئنان على صحتها، فأمرتهم بتدبير موعد لي بنفس اليوم، ولن أنتظر يومًا واحدًا آخر، بالإضافة لاعتذار الأرستقراطية لي، وللغنم نكاية بكبرها.

ويشبه هذا الموقف موقفًا آخر حصل في مرفق حكومي، أي أني لم آتي لأدفع درهمًا أو دينارًا، بل إن الحكومة تكفلت بإعطاء الأجر للموظفين ليخدموني ويخدموا غيري، دون منّة طبعًا.

كنت في مراجعة حكومية بائسة، انتظرت دوري لأكثر من (45) دقيقة، لم يغظني الانتظار بقدر ما أغاظتني تصرفات الموظفين هناك، فبعد كل معاملة ينجزونها لمراجع تجدهم على وشك التشردق على الكرسي، حتى إنك لتحسب الواحد منهم نفساء..!!

صالة الانتظار مزدحمة، واللطفاء يأخذون استراحة قصيرة بعد كل معاملة، فلما رأيت أحدهم يمسك بعلبة سجائره ويهم بالخروج ليدخن؛ بلغ السيل الزبى عندي، فصعدت لمكتب مسؤولتهم شاكيًا عليهم جميعًا، وخصصت شكوى على ذلك المدخن الذي يؤخر أعمالنا كرامة لسيجارته العفنة.

نزلت من عندها، فإذا كل الموظفين في أماكنهم، وأتاهم المدد بموظف خامس يعينهم، وانتهت معاملتي بعد الشكوى بأقل من (5) دقائق.

أظن، والعلم عند الله، أن سبب تخاذل الموظفين عن تأدية واجباتهم هو أمنهم من العقوبة، يستوي في ذلك موظفو القطاعين، العام والخاص، فكما قيل: "من أمن العقوبة أسا الأدب"، وأي سوء أدب أكبر من تعطيل مصالح الناس..!!

لكن لنكن منصفين؛ فأمن العقوبة ليس سببًا يجعل الموظف يسيء الأدب، فالسبب أكبر من ذلك، واللوم فيه يقع علي وعلى من يتصرف بلباقة لا تمت للباقة بصلة، فمن يتنازل عن حقه في الحصول على خدمة راقية ليس لبقًا، وليس محترمًا أصلًا، بل هو شريك في الفساد.

الأصل في موقف مماثل أن يتصرف أحدنا كما تصرفت مع الأرستقراطية ومع الموظف المدخن، الشكوى دواء الحمقى، ولا شيء سوى الشكوى.

"يردع الله بالسلطان ما لا يردع بالقرآن"، بعض الناس يخافون عقاب المسؤول أكثر من خوفهم عقاب الله، لا بأس؛ لسنا أوصياء عليهم، لكننا أوصياء على مصالحنا، والويل كل الويل لمن يعطلها.

وعلى ذكر الشكوى، ففي الجانب المقابل للشاكي هناك المشتكى عليه، فكيف سيكون حالك حين يُشكى عليك؟ بالنسبة لي أقول دائمًا: "أعلى ما بخيلك اركبه"، هذا في حال كان الشاكي صاحب حق عليّ، وقد يُنظر في مسألته، أما إن كان قليل الأدب والحيلة فأقول له: "أعلى ما ببونيك* اركبه".

وهذا، بطبيعة الحال، ليس أمنًا للعقوبة، ولا إساءة للأدب، فقبل كل شيء هناك مراعاة لله فيما نقوم به في أعمالنا ووظائفنا، ومن أراد منا أكثر من المطلوب فندعه وحصانه وشأنهما.

فعلى سبيل المثال، هل من المعقول أن يأتيني ولي أمر طالب يعاتبني لفصلي ولده (3) أيام بسبب محاولته ضرب زميله بالكرسي على رأسه؟ اشتكيت عليه في المخفر حين تعدى علي لفظًا (ولي الأمر وليس الطالب)، وبفضل الله لم يصدر الحكم حتى اللحظة، وأنا متفائل بأن يصدر قريبًا، فلقد مضت سنة ونصف منذ رفع القضية، وبقي القليل بالتأكيد.

ولسوء حماية الوزارة لموظفيها فإن الأمر تكرر بعد ذلك الموقف بعام واحد، وأيضًا قدّمت بلاغًا في المخفر منذ (6) شهور، وأنا متفائل جدًا أن يصدر الحكم قريبًا، ولا أظنه سيطول أكثر من الأول.

ومن باب الاحتياط، لن أسمح للأمر أن يتكرر؛ ولضمان عدم تكراره فإني حاليًا أملك حزامًا متقدمًا في لعبة (الجيوجتسو اليابانية)، وبدأت في التدرب على الـ (مواي تاي)، وهي باختصار ألعاب قتالية تعطي متقنها القدرة على قتل الخصم إن لزم الأمر، وهذا ما لن أحتاجه طبعًا، سأكتفي بإفقادهم الوعي بضربة (مواشي) على الوجه.

* البوني: حصان صغير يستخدم في تسلية الأطفال.

سعد المحطب
8-6-2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق